هذا هو الجزء الثالث من سلسلة علو الهمة..
سأذكر فيه جوانب من علو همة سلفنا الصالح أسأل الله أن ينفعنا به..
فلنبدأ على بركة الله...
ــ يأكل الطعام ولا يشعر بذلك..
كان لمحمد بن سحنون أمة، يقال لها أم مدام، فكان عندها يوما وقد شغل في تأليف كتاب إلى الليل، فحضر الطعام، فأستأذنته ليأكل، فقال لها : أنا مشغول الساعة، فلما طال عليها، جعلت تلقمه الطعام حتى أنهته، وتمادى هو على ماهو فيه، إلى أن أذن لصلاة الفجر، فقال شغلنا عنك الليلة يا أم مدام، هات الطعام، فقالت: قد والله ياسيدي ألقمته لك، فقال: والله ماشعرت بذلك.
ــ ثروة ولكن بدون نعل..
الإمام الحافظ أبو زكريا يحي بن معين، خلف لإبنه يحي ألف ألف درهم، فأنفقها كلها في العلم حتى لم يبق له نعل يلبسه.
ــ يحضر مجالسه حتى الجن..
قال محمد بن يعقوب: سمعت علي بن الحسين يقول: كان محمد بن سلام في منزله، فدق بابه، فخرج، فسمعت الطارق يقول: يا أبا عبدالله، أنا جني، رسول ملك الجن إليك يسلم عليك، ويقول لك: لا يكون لك مجلس إلا يكون منا في مجلسك أكثر من الإنس.
ــ الكتب أشد عليها من الضرائر..
قال الزبير بن بكار: قالت بنت أختي عني لأهلي: خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضرة ولا سرية ـ بمعنى زوجة أخرى أو أمة ـ ، فقالت امرأتي: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائرـ من شدة انشغاله بالكتب ـ.
ــ يقوم من نومه أكثر من خمس عشرة مرة حين يتذكر علما..
قال محمد بن أبي حاتم الوراق: كان أبو عبدالله اسماعيل البخاري ، إذا كنت معه في سفر، يجمعنا بيت واحد، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل مرة يأخذ القداحة، ويضئ سراجه، ثم يخرج أحاديث، ثم يطفئ سراجه ويعود لنومه، وهكذا كلما تذكر شئ.
ــ يشترون سمكة فيأكلونها نيئة من شدة شغلهم بالعلم..
قال الحافظ عبد الرحمن بن حاتم: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل للنسخ والمقابلة، فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فرأينا سمكة أعجبتنا، فأشتريناها، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس من مجالس العلم، فلم يمكننا طهي السمكة، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل على تلك الحال حتى أتى عليها ثلاثة أيام، وكادت أن تتغير، فأكلناها نيئة، لم يكن لنا فراغا أن نشويها أو نعطيها من يشويها لنا.
ــ يكتب ويقرأ حتى يذهب بصره..
قال يعقوب الفسوي: كنت في رحلة لطلب الحديث، فدخلت لبعض المدن، فصادفت شيخا، فاحتجت إلى الإقامة عنده،للاستكثار عنه، فقلت نفقتي، وبعدت عن بلدي، فكنت أدمن الكتابة ليلا، والقراءة نهارا، فلما كان ذات ليلة، كنت جالسا، أنسخ، وقد أنصرم الليل، فنزل الماء على عيني، فلم أعد أبصر السراج ولا البيت، فبكيت على انقطاعي، وعلى مايفوتني من العلم، وأشتد بكائي، حتى أتكأت على جنبي، فنمت، فرأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم، فناداني: يايعقوب بن سفيان، لم أنت بكيت؟، فقلت يارسول الله، ذهب بصري، فتحسرت على مافاتني من كتب سنتك، وعلى الإنقطاع عن بلدي، فقال: أدن مني، فدنوت منه، فمرر يده على عيني، كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت، فابصرت، وأخذت نسخي، وقعدت في السراج أكتب.
ــ إخلاصه في العلم ينجيه من الأسر..
قال الإمام أبا الحسن: ركبت البحر وقصدت جبلة، لأسمع من يوسف بن بحر، ثم خرجت إلى أنطاكية، فلقينا مركب به عدو، فقاتلناهم، ثم ركب العدو مقدمة مركبنا، فأخذوني وضربوني، وكتبوا أسماءنا، فقالوا ما أسمك؟، قلت خيثمة، وضربت حتى غشي علي، ونمت، فرأيت كأني أنظر إلى الجنة، وعلى بابها جماعة من الحور العين، ورأيت كأن من يقول لي: إقرأ"براءة"، فقرأت إلى"فسيحوا في الأرض أربعة أشهر...."، فعددت أربعةأشهر من تلك الرؤيا، ففك الله أسري بعد تلك الأشهر.
ــ يشم الخبز ليتقوى به على العلم..
قال الإمام أبو علي الوخشي: رحلت وقاسيت الذل والمشاق، ورجعت إلى وخش، وما أحد يعرف قدري، فقلت أموت ولا ينتشر ذكري؟ ولا يترحم أحد علي؟، فسهل الله ووفق نظام الملك، حتى بنى هذه المدرسة، وأجلسني فيه أحدث، وبقيت أياما بلا أكل، وكنت أقعد بقرب خباز لأشتم رائحة الخبز وأتقوى بها.
ــ يقطع عليه الطريق فلا يريد ابقاء سوى كتبه..
قال الغزالي: قطع علينا الطريق، وأخذ العيارون جميع مامعي، ومضوا، فتبعتهم، فألتفت إلي مقدمهم، وقال: أرجع ويحك، وإلا هلكت، فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه، أن ترد علي تعليقتي فقط، فما هي بشئ تنتفعون به، فقال لي: وماهي تعليقتك؟ فقلت كتب فيها، هاجرت لسماعها وكتابتها، ومعرفة علمها، فضحك وقال: كيف تدعي أنك عرفت علمها؟ وقد أخذناها منك؟ فتجردت من معرفتها وبقيت بلا علم؟؟، ثم أمر أصحابه فأعادوها علي، فكأن الله أستنطقه ليرشدني، لأن أحفظ تلك العلوم، حتى لو قطع علي الطريق، لا أتجرد من علمي.
ــ يفقد اصبعه ومع هذا لا يزال يكتب..
قال السمعاني عن الإمام ابن فطيمة: كان كثير السماع، حسن السيرة، سمعت منه الكثير، وكتب أجزاء، ومن العجيب أنه قطعت اصبعه بكرمان من علة، فكان يأخذ القلم، ويترك الورق تحت رجله، ويمسك القلم بكفيه، فيكتب خطا مليحا سريعا، ويكتب في اليوم خمس طاقات.
من هو؟؟؟مافرح قط بختمة له علمها غيره..إذا كنت لم تقرأ الجزء السابق فأقرأه ثم أجب هنا ينتهي الجزء الثالث...ترقبوا الجزء الرابع بعنوان..(علو الهمة في الدعوة إلى الله)