:
وأساس النظرة المتسامحة التي تسود المسلمين في معاملة مخالفيهم في الدين
يرجع إلى الأفكار والحقائق الناصعة التي غرسها الإسلام في عقول المسلمين وقلوبهم
، وأهمها:
1. اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان،
أيا كان دينه أو جنسه أو لونه
. قال تعالى
: (ولقد كرمنا بني آدم)
وهذه الكرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية.
ومن الأمثلة العملية:
ما رواه البخاري
عن جابر بن عبد الله:
أن جنازة مرت على النبي صلى الله عليه وسلم فقام لها واقفا
، فقيل له: يا رسول الله،
إنها جنازة يهودي!
فقال: "أليست نفسا"؟!
، بلى ولكل نفس في الإسلام حرمة ومكان
، فما أروع الموقف،
وما أروع التفسير والتعليل!
2. اعتقاد المسلم أن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله تعالى
، الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار فيما يفعل ويدع:
(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)،
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين).
والمسلم يوقن أن مشيئة الله لا راد لها ولا معقب،
كما أنه لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة،
علم الناس ذلك أو جهلوه،
ولهذا لا يفكر المسلم يوما أن يجبر الناس ليصيروا كلهم مسلمين،
كيف وقد قال الله تعالى لرسوله الكريم:
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
3. إن المسلم ليس مكلفا أن يحاسب الكافرين على كفرهم،
أو يعاقب الضالين على ضلالهم،
فهذا ليس إليه،
وليس موعده هذه الدنيا،
إنما حسابهم إلى الله في يوم الحساب،
وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين،
قال تعالى:
(وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون)
وقال يخاطب رسوله في شأن أهل الكتاب
: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت، ولا تتبع أهواءهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا، وإليه المصير).
وبهذا يستريح ضمير المسلم،
ولا يجد في نفسه أي أثر للصراع بين اعتقاده بكفر الكافر،
وبين مطالبته ببره والإقساط إليه،
وإقراره على ما يراه من دين واعتقاد.
4. إيمان المسلم بأن الله يأمر بالعدل،
ويحب القسط
، ويدعو إلى مكارم الأخلاق،
ولو مع المشركين
، ويكره الظلم ويعاقب الظالمين،
ولو كان الظلم من مسلم لكافر.
قال تعالى:
(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
وقال صلى الله عليه وسلم
: "دعوة المظلوم ـ وإن كان كافرا ـ ليس دونها حجاب".
إن سماحة الإسلام مع غير المسلمين سماحة لم يعرف التاريخ لها مثيلا
، وخصوصا إذا كانوا أهل كتاب،
وبالأخصب إذا كانوا مواطنين في دار الإسلام،
ولا سيما إذا استعربوا وتكلموا بلغة القرآن.