:
أن هناك شيئا آخر لا يدخل في نطاق الحقوق التي تنظمها القوانين
، ويلزم بها القضاء،
وتشرف على تنفيذها الحكومات.
ذلك هو "روح السماحة" التي تبدو في حسن المعاشرة،
ولطف المعاملة
، ورعاية الجوار،
وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان،
وهي الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية،
ولا يغني فيها قانون ولا قضاء.
وهذه روح لا تكاد توجد في غير المجتمع الإسلامي.
تتجلى هذه السماحة
في مثل قول القرآن
في شأن الوالدين المشركين اللذين يحاولان إخراج ابنهما من التوحيد إلى الشرك
: (وصاحبهما في الدنيا معروفا).
وفي ترغيب القرآن
في البر والإقساط إلى المخالفين
الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين كما في آية الممتحنة.
وفي قول القرآن
يصف الأبرار من عباد الله:
(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)
ولم يكن الأسير حين نزلت الآية إلا من المشركين.
وفي قول القرآن
يجيب عن شبهة بعض المسلمين في مشروعية الإنفاق على ذويهم وجيرانهم من المشركين المصرين: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله).
وقد روى محمد بن الحسن
صاحب أبي حنيفة ومدون مذهبه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل مكة مالا لما قحطوا ليوزع على فقرائهم،
هذا على الرغم مما قاساه من أهل مكة من العنت والأذى هو وأصحابه.
وروى أحمد والشيخان
عن أسماء بنت أبي بكر
قالت: قدمت أمي وهي مشركة،
في عهد قريش إذ عاهدوا،
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة
، أفأصلها؟!
قال: "نعم، صلي أمك".
وتتجلى هذه السماحة كذلك
في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم
لأهل الكتاب يهودا كانوا أو نصارى،
فقد كان يزورهم ويكرمهم
، ويحسن إليهم،
ويعود مرضاهم،
ويأخذ منهم ويعطيهم.
وذكر ابن إسحاق في السيرة:
أن وفد نجران ـ وهم من النصارى ـ
لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة،
دخلوا عليه مسجده بعد العصر
، فكانت صلاتهم،
فقاموا يصلون مسجده،
فأراد الناس منعهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"دعوهم" فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.